{فَلَمَّا جَآء ءالَ لُوطٍ المرسلون} شروع في بيان كيفيةِ إهلاكِ المجرمين وتنجيةِ آل لوط حسبما أُجمل في الاستثناء ثم فُصّل في التعليل نوعَ تفصيل، ووضعُ المظهرِ موضعَ المضمر للإيذان بأن مجيئهم لتحقيق ما أرسلوا به من الإهلاك والتنجية، وليس المرادُ به ابتداءَ مجيئهم بل مطلقُ كينونتهم عند آل لوط، فإن ما حُكي عنه عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى: {قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} إنما قاله عليه الصلاة والسلام بعد اللتيا والتي حين ضاقت عليه الحيلُ وعيَّتْ به العللُ لمّا لم يشاهِدْ من المرسلين عند مقاساته الشدائدَ ومعاناته المكايدَ من قومه الذين يريدون بهم ما يريدون ما هو المعهودُ والمعتاد من الإعانة والإمداد فيما يأتي ويذر عند تجشّمِه في تخليصهم إنكاراً لخذلانهم له، وتركِ نصرته في مثل تلك المضايقة المعترية له بسببهم حيث لم يكونوا مباشرين معه لأسباب المدافعةِ والممانعة حتى ألجأتْه إلى أن قال: {لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ اوِى إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ} حسبما فصل في سورة هود، لا أنه قاله عند ابتداء ورودِهم له خوفاً أن يطرُقوه بشرَ كما قيل، كيف لا وهم بجوابهم المحكيّ بقوله تعالى: {قَالُواْ بَلْ جئناك بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ} أي بالعذاب الذي كنت تتوعدهم به فيمترون به ويكذبونك، قد قشَروا العصا وبيّنوا له عليه الصلاة والسلام جليةَ الأمر، فأنى يمكن أن يعتريَه بعد ذلك المساءةُ وضيقُ الذَّرْع، وليست كلمةُ بل إضراباً عن موجب الخوفِ المذكور على معنى ما جئناك بما تُنكِرنا لأجله بل بما يسرك وتقَرّ به عينُك، بل هي إضرابٌ عما فهمه عليه الصلاة والسلام من ترك النصرةِ له، والمعنى ما خذلناك وما خلّينا بينك وبينهم بل جئناك بما يدمّرهم من العذاب الذي كانوا يكذبونك حين كنت تتوعدهم به، ولعل تقديمَ هذه المقاولة على ما جرى بينه وبين أهلِ المدينة من المجادلة للمسارعة إلى ذكر بشارةِ لوطٍ عليه الصلاة والسلام بإهلاك قومِه وتنجيةِ آله عَقيبَ ذكر بشارةِ إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام بهما، وحيث كان ذلك مستدعياً لبيان كيفية النجاةِ وترتيبِ مباديها أُشير إلى ذلك إجمالاً، ثم ذُكر ما فَعل القوم وما فُعل بهم ولم يُبالَ بتغيير الترتيب الوقوعيّ ثقةً بمراعاته في مواقعَ أُخَرَ ونسبةُ المجيء بالعذاب إليه عليه الصلاة والسلام مع أنه نازلٌ بالقوم بطريق تفويض أمرِه إليه لا بطريق نزوله عليه، كأنهم جاءوه به وفوّضوا أمره إليه ليرسله عليهم حسبما كان يتوعّدهم به.