سورة الحجر - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


{فَلَمَّا جَآء ءالَ لُوطٍ المرسلون} شروع في بيان كيفيةِ إهلاكِ المجرمين وتنجيةِ آل لوط حسبما أُجمل في الاستثناء ثم فُصّل في التعليل نوعَ تفصيل، ووضعُ المظهرِ موضعَ المضمر للإيذان بأن مجيئهم لتحقيق ما أرسلوا به من الإهلاك والتنجية، وليس المرادُ به ابتداءَ مجيئهم بل مطلقُ كينونتهم عند آل لوط، فإن ما حُكي عنه عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى: {قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} إنما قاله عليه الصلاة والسلام بعد اللتيا والتي حين ضاقت عليه الحيلُ وعيَّتْ به العللُ لمّا لم يشاهِدْ من المرسلين عند مقاساته الشدائدَ ومعاناته المكايدَ من قومه الذين يريدون بهم ما يريدون ما هو المعهودُ والمعتاد من الإعانة والإمداد فيما يأتي ويذر عند تجشّمِه في تخليصهم إنكاراً لخذلانهم له، وتركِ نصرته في مثل تلك المضايقة المعترية له بسببهم حيث لم يكونوا مباشرين معه لأسباب المدافعةِ والممانعة حتى ألجأتْه إلى أن قال: {لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ اوِى إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ} حسبما فصل في سورة هود، لا أنه قاله عند ابتداء ورودِهم له خوفاً أن يطرُقوه بشرَ كما قيل، كيف لا وهم بجوابهم المحكيّ بقوله تعالى: {قَالُواْ بَلْ جئناك بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ} أي بالعذاب الذي كنت تتوعدهم به فيمترون به ويكذبونك، قد قشَروا العصا وبيّنوا له عليه الصلاة والسلام جليةَ الأمر، فأنى يمكن أن يعتريَه بعد ذلك المساءةُ وضيقُ الذَّرْع، وليست كلمةُ بل إضراباً عن موجب الخوفِ المذكور على معنى ما جئناك بما تُنكِرنا لأجله بل بما يسرك وتقَرّ به عينُك، بل هي إضرابٌ عما فهمه عليه الصلاة والسلام من ترك النصرةِ له، والمعنى ما خذلناك وما خلّينا بينك وبينهم بل جئناك بما يدمّرهم من العذاب الذي كانوا يكذبونك حين كنت تتوعدهم به، ولعل تقديمَ هذه المقاولة على ما جرى بينه وبين أهلِ المدينة من المجادلة للمسارعة إلى ذكر بشارةِ لوطٍ عليه الصلاة والسلام بإهلاك قومِه وتنجيةِ آله عَقيبَ ذكر بشارةِ إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام بهما، وحيث كان ذلك مستدعياً لبيان كيفية النجاةِ وترتيبِ مباديها أُشير إلى ذلك إجمالاً، ثم ذُكر ما فَعل القوم وما فُعل بهم ولم يُبالَ بتغيير الترتيب الوقوعيّ ثقةً بمراعاته في مواقعَ أُخَرَ ونسبةُ المجيء بالعذاب إليه عليه الصلاة والسلام مع أنه نازلٌ بالقوم بطريق تفويض أمرِه إليه لا بطريق نزوله عليه، كأنهم جاءوه به وفوّضوا أمره إليه ليرسله عليهم حسبما كان يتوعّدهم به.


{واتيناك بالحق} أي باليقين الذي لا مجال فيه للامتراء والشك وهو عذابُهم، عبر عنه بذلك تنصيصاً على نفي الامتراءِ عنه، أو المرادُ بالحق الإخبارُ بمجيء العذابِ المذكور، وقوله تعالى: {وِإِنَّا لصادقون} تأكيدٌ له، أي أتيناك فيما قلنا بالخير الحقِّ أي المطابق للواقعِ، وإنا لصادقون في ذلك الخبرِ أو في كل كلام فيكون كالدليل على صدقهم فيه، وعلى الأول تأكيدٌ إثرَ تأكيدٍ.
وقوله تعالى: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} شروعٌ في ترتيب مبادي النجاةِ، أي اذهبْ بهم في الليل، وقرئ بالوصل وكلاهما من السرى وهو السيرُ في الليل، وقرئ: {فسِرْ} من السير {بِقِطْعٍ مّنَ اليل} بطائفة منه أو من آخره قال:
افتحي الباب وانظُري في النجوم *** كم علينا من قِطْع ليلٍ بهيم
وقيل: هو بعد ما مضى منه شيءٌ صالح {واتبع أدبارهم} وكن على أثرهم تذودُهم وتسرع بهم وتطّلع على أحوالهم، ولعل إيثارَ الاتباعِ على السَّوْق مع أنه المقصودُ بالأمر للمبالغة في ذلك، إذ السَّوْقُ ربما يكون بالتقدم على بعض مع التأخر عن بعض ويلزَمه عادةً الغفلةُ عن حال المتأخر، والالتفاتُ المنهيُّ عنه بقوله تعالى: {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ} أي منك ومنهم {أَحَدٌ} فيرى ما وراءه من الهول فلا يطيقه، أو يصيبه ما أصابهم، أو ولا ينصرفْ منكم أحدٌ ولا يتخلفْ لغرض فيصيبه العذاب، وقيل: نُهوا عن ذلك ليوطنوا أنفسهم على المهاجرة، أو هو نهي عن ربط القلب بما خلّفوه، أو هو للإسراع في السير فإن الملتفتَ قلما يخلو عن أدنى وقفة، وعدمُ ذكر استثناء المرأةِ من الإسراء والالتفات لا يستدعي عدم وقوعِه، فإن ذلك لما عرفت مراراً للاكتفاء بما ذكر في مواضعَ أخَرَ {وامضوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} إلى حيث أمركم الله تعالى بالمُضيّ إليه وهو الشام أو مصر، وحذفُ الصلتين على الاتساع المشهور، وإيثارُ المضيِّ إلى ما ذكر على الوصول إليه واللُّحوق به للإيذان بأهمية النجاةِ ولمراعاة المناسبةِ بينه وبين ما سلف من الغابرين.
{وَقَضَيْنَا} أي أوحينا {إِلَيْهِ} مقْضيًّا ولذلك عُدِّيَ بإلى {ذَلِكَ الامر} مبهمٌ يفسره {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآْء مَقْطُوعٌ} على أنه بدلٌ منه، وإيثار اسم الإشارة على الضمير للدلالة على اتصافهم بصفاتهم القبيحةِ التي هي مدارُ ثبوت الحكم، أي دابرَ هؤلاء المجرمين، وإيرادُ صيغة المفعول بدلَ صيغة المضارع لكونها أدخلَ في الدلالة على الوقوعِ، وفي لفظ القضاءِ والتعبيرِ عن العذاب بالأمر والإشارةِ إليه بذلك وتأخيرِه عن الجار والمجرور وإبهامِه أولاً ثم تفسيره ثانياً من الدلالة على فخامة الأمر وفظاعتِه ما لا يخفى. وقرئ بالكسر على الاستئناف، والمعنى أنهم يُستأصَلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحدٌ {مُّصْبِحِينَ} داخِلين في الصُّبح، وهو حال من هؤلاء أو من الضمير في مقطوعٌ وجمعه للحمل على المعنى فإن دابر هؤلاء بمعنى مدبري هؤلاء.


{وَجَآء أَهْلُ المدينة} شروعٌ في حكاية ما صدر عن القوم عند وقوفِهم على مكان الأضيافِ من الفعل والقول وما ترتب عليه بعدما أشير إلى ذلك إجمالاً حسبما نبه عليه، أي جاء أهلُ سدومَ منزلَ لوط عليه الصلاة والسلام {يَسْتَبْشِرُونَ} أي مستبشرين بأضيافه عليه الصلاة والسلام طمعاً فيهم.
{قَالَ إِنَّ هَؤُلآء ضَيْفِى} الضيفُ حيث كان مصدراً في الأصل أُطلق على الواحد والمتعددِ والمذكرِ والمؤنث، وإطلاقُه على الملائكة بحسب اعتقادِه عليه الصلاة والسلام لكونهم في زِيّ الضيف، والتأكيدُ ليس لإنكارهم بذلك بل لتحقيق اتِّصافِهم به وإظهارِ اعتنائه بشأنهم وتشمُّره لمراعاة حقوقِهم وحمايتهم من السوء، ولذلك قال: {فَلاَ تَفْضَحُونِ} أي عندكم بأن تتعرضوا لهم بسوء فيعلموا أنه ليس لي عندكم قدْرٌ وحرمة، أو لا تفضحونِ بفضيحة ضيفي فإن من أُسيء إلى ضيفه فقد أُسيءَ إليه، يقال: فضحَه فضحاً وفضيحةً إذا أظهر من أمره ما يلزمه العار.
{واتقوا الله} في مباشرتكم لما يسؤوني {وَلاَ تُخْزُونِ} أي لا تُذِلوني ولا تُهينوني بالتعرض لمن أجَرْتُهم بمثل تلك الفَعْلةِ الخبيثة، وحيث كان التعرضُ لهم بعد أن نهاهم عليه الصلاة والسلام عن ذلك بقوله: فلا تفضحونِ أكثرَ تأثيراً في جانبه عليه الصلاة والسلام وأجلبَ للعار إليه، إذِ التعرّضُ للجار قبل شعورِ المُجير بذلك ربما يُتسامَح فيه، وأما بعد الشعورِ به والمناصبةِ لحمايته والذبِّ عنه فذاك أعظمُ العار، عبّر عليه الصلاة والسلام عما يعتريه من جهتهم بعد النهي المذكورِ بسبب لَجاجِهم ومُجاهرتِهم بمخالفته بالخِزي وأمرَهم بتقوى الله تعالى في ذلك، وإنما لم يصرَّحْ بالنهي عن نفس تلك الفاحشةِ لأنه كان يعرِف أنه لا يفيدهم ذلك، وقيل: المرادُ تقوى الله تعالى في ركوب الفاحشةِ، ولا يساعده توسيطُه بين النهيَيْن عن أمرين متعلقين بنفسه عليه الصلاة والسلام.
وكذلك قوله تعالى: {قَالُواْ أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ العالمين} أي عن التعرض لهم بمنعهم عنا وضيافتِهم، والهمزةُ للإنكار والواو للعطف على مقدر، أي ألم نتقدمْ إليك ولم ننْهَكَ عن ذلك فإنهم كانوا يتعرضون لكل أحدٍ من الغرباء بالسوء، وكان عليه الصلاة والسلام ينهاهم عن ذلك بقدر وُسعِه وكانوا قد نهَوْه عليه الصلاة والسلام عن أن يُجير أحداً، فكأنهم قالوا: ما ذكرتَ من الفضيحة والخِزي إنما جاءك من قِبَلك لا من قِبَلنا إذ لولا تعرضُك لما نتصدَّى له لَما اعتراك تلك الحالةُ. ولمّا رآهم لا يُقلِعون عما هم عليه.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9